هل تقليد الكبار أمر طبيعي؟

يفاجئنا
أبناؤنا أحيانا بتصرفاتهم فيخيل إلينا أنهم يتعمدون إثارة قلقنا أو
استغرابنا وإظهارنا في هيئة الجاهلين بأحوالهم ويغيب عن بالنا أنهم يتقنون
فن التقليد.
فعلى الرغم من صغر سنهم نسمعهم أحيانا ينادوننا باسمائنا
الأولى أو يرددون جملا وتعابير لا تناسب أعمارهم حبا في تقليد الكبار. فهل
تصرفهم هذا يعد طبيعيا.
شكت إحدى الأمهات من كون ابنتها البالغة من
العمر ثلاث سنوات تناديها باسمها الأول وليس "ماما" كبقية الأطفال الصغار.
ما جعلها تعتقد أنها لم تنجح في خلق رابط قوي بينها وبين صغيرتها وراحت
تستفسر عما إذا كان تصرف طفلتها مسألة طبيعية أم أنه يؤشر إلى وجود مشكلة.
فما رأي خبراء التربية في هذه الحالة؟
يشيرأولئك إلى أن الأطفال يعشقون
التقليد لهذا يلجأ الكثير منهم إلى هذه الحيلة الصغيرة في محاولة لتقليد
الكبار. هكذا فإن قيام الطفلة بمناداة والدتها باسمها الأول يقع في هذا
الإطار. إضافة إلى ذلك يجد الطفل في هذه الحيلة أو اللعبة مادة للتسلية
والضحك. إذ يعي تماما أن ما يفعله أويقوله مغاير عن مسار الأمور الطبيعية
تماما كما يضحك عندما تسرّح والدته شعره مثلا بفرشاة الأسنان. هويلاحظ أن
منادة والدته بغير "ماما" تثير دهشتها واستغرابها وعلى الرغم من ذلك يستمر
في فعل ذلك استمتاعا بلعبة الكبار. من الطبيعي أن ينزعج الأب و الأم من
سماع ابنتهما أو ابنهما يناديانهما باسميهما بدلا من "بابا وماما" عند طلب
شيء منهما لكن عليهما أن يدركا أن هذا الأمر ويعد مشكلة بسيطة جدا إذا ما
قورنت بمشكلات أخرى أكثر خطورة يعانيها بعض الآباء مع أبنائهم.
إذا كان
أحد أطفالك يناديك باسمك الأول أو بأي اسم آخر غير ماما ينصحك الخبراء بألا
تولي المسألة أهمية كبرى بل ردي على طفلك بشكل عادي وتصرفي معه بشكل طبيعي
جدا إلي أن يتوقف هو عن فعل ذلك . حتى لو كان الأمر يزعجك قليلا عليك ألا
تظهري استياءك من الموضوع أمامه لأن رد فعلك ممكن أن يحفزه أكثر إلي
الاستمرار في مناداتك بغير ماما. في حال تضايقت من مناداة ابنك باسمك الأول
أو إذا استمرت المسألة لفترة أطول من قدرك على تحمتها أخبري صغيرك بأن
عليه أن يناديك "ماما" أو أي اسم آخر تريدينه. اشرحي له أنك تحبين أن يكون
لديك اسم مميز في العائلة وأن يكون ابناؤك وحدهم الذين يستخدمونه. شددي على
أهمية العلاقة المميزة التي تربط بينكما التي تترجم من خلال استخدام كلمة
ماما وفق ما يقوله الخبراء.
يمكنك أيضا استغلال هذه الفرصة لتعليم طفلك كيفية مخاطبة البالغين والتحدث معهم.
سوف
تكتشفين أن الصغار يستمتعون باستكشاف عالم الكبار وفهم تصرفاتهم. سوف
تفاجئين برد فعل طفلك لدى تعرفه مثلا إلى مختلف أسماء وألقاب البالغين
الذين يحيطون به من معلمتة "مسزآرمسترونغ" إلى عمته "حنان" وخالته "إيمان"
وجده "أبو أيمن". خذي وقتك في الإجابة عن أسئلته الكثيرة التي تتمحور
جميعها حول معاني الأسماء وأسباب اختيار الإسم الفناني ولا تتعجبي في حال
سمعته يقترح تغيير أسماء بعض الأشخاص أو إطلاق أسماء أخرى عليهم.
ثمة
أطفال يطلقون أسماء شخصيات أبطال المسلسلات الكرتونية على آبائهم أو أحد
معارفهم من البالغين. مثلا قد نسمع طفلا ينادي والدته "فلة" أو "زيتونة"
على اسم زوجة "باباي" البحار أو ينادي جاره "العلم وحيد". فلا داعي للقلق
من هذه الحيل البسيطة التي يلجأ إليها طفلك. إذ سيأتي يوم وتختفي بمفردها
وسيعود إلى مناداتك "ماما" لأنه سينشغل بتحديات سلوكية جديدة.
أنا بدينة
إذا
كان بعض الأطفال يقلد أسلوب الكبار في فن التحدث والمخاطبة فإن البعض
الآخر يكرر الكلام الذي يسمعه وينسبه إلى ذاته حتى لو لم يفهم معناه في
البداية. مثلا قد تسمع فتاة بالكاد تبلغ سن السنتين ونصف السنة تشكو من
بدانتها قائلة: "أنا بدنية" فهل من الطبيعي أن تكرر العبارة باستمرار؟ "نعم
ولا" هكذا أجابت "كاثي كاتر" مؤلفة كتاب "النظرة السليمة إلى الذات: تعليم
الأطفال كيفية الأكل وكيفية تقبل أجسادهم أيضا" شارحة أن الأمر لا يعد
طبيعيا من النظرة التطورية. بمعنى آخر الأطفال الذين يعيشون في مجتمعات لا
تركز كثيرا على مسألة النحافة لن نسمعهم يرددون تلك العبارة. لكن من
الناحية الثقافية فإنها تعد مسألة طبيعية جدا لأن الطفل يتلقى ومن ثم يعكس
صورة المجتمع الذي نشأ فيه ومجتمعاتنا الحالية تزدحم بآلاف الرسائل
والإشارات التي تبين لنا أن أجسامنا ليست نحيلة بما فيه الكفاية.
أن
تسمعي طفلتك تصف ذاتها بأنها بدينة هي مسألة في غاية الصعوبة لا بل إن
الأمر ممكن أن يشكل صدمة لك لكن يجدر بك أن تعرفي أنها على الأرجح لا تفهم
حقيقة معنى كلامها وأن ما تردده نابع من عملية تقليدها ما تراه أو تسمعه
تماما كما ترينها مثلا تحمل مجموعة من الأوراق وتضع حقيبة يد على كتفها
وتقول: "أنا ذاهبة إلى العمل".
في المقابل يحق لك أن تقلقي وأن تأخذي
المسألة على محمل الجد وتسارعي إلى مساعدتها على تكوين نظرة سليمة حيال
جسدها. لقد بينت الدراسات أن الأطفال في عصرنا الحالي بدأوا يكونون نظرة
سلبية حيال أجسادهم في سن باكرة جدا ما يعني أن استمرار استخدامهم عبارة
"أنا بدين" في سن 7 أو 8 سنوات سيؤشر إلى وجود مشكلة داخلية تتخطى مسألة
تقليد وتكرار ما يسمعونه.
كيف يمكن التصرف في هذه الحالة؟ ينصحك الخبراء
بالحفاظ على رباطة جأشك عند سماع طفلك يلفظ العبارة: "أنا بدين أو أنا
بدينة" لأنه كما أصبح معروفا يسهم رد فعل الأهل في كثير من الأوقات في
تفاقم المشكلة واستمرارها بدلا من أندثارها. لذا تقترح "كاثي" أن تسألي
طفلتك بكل ثقة وهدوء عما أوحى إليها بأنها بدينة. قد تعجز عن إجابتك إلا أن
المسألة تستحق المحاولة لأنها قد تؤدي نقاش مثمر بينكما.
يمكنك أيضا أن
تشرحي لها أن الدهون جزء طبيعي من جسم الإنسان مثل العظام والجلد وأننا
نحتاج إلى الدهون كي نتمكن من العيش. من المهم جدا أن ترسخي في ذهنها فكرة
حيوية الدهون أي البدانة بلغتها بالنسبة إلى الإنسان وبأنها جزء أساسي من
حياته.
استغلي هذه الفرصة أيضا لتحدثيها عن تعدد أشكال الأجساد فهناك
الطويل والقصير والبدين والنحيف والعريض والنحيل. لمساعدة طفلتك على تفادي
تكوين نظرة سلبية حيال جسدها راقبي ما تشاهده على التلفزيون من برامج وحتى
إعلانات لأن بعض برامج الأطفال أيضا تروج لصورة نمطية عن النساء والرجال.
صحيح أنه لا يمكن عزل الطفل عن العالم وتحصينه ضد كل الرسائل والصور التي
تروج للنحافة إلا أنه يمكن تعليمه باكرا جدا كيفية التفريق بين صورة
الإنسان لواقعية وصورته الصناعية التي تروج لها التلفزيونات ووسائل الإعلام
كافة. حاولي في فترة لاحقة أن تخبريها عن اللوحات الإعلانية والإعلانات
ومسابقات الجمال كونها من العوامل التي تسهم في ترويج الصور النمطية عن
النساء.
في النهاية راقبي ذاتك وما تقولينه أمامها. راقبي ذاتك وما
تقولينه أمامها. فإذا اعتدت أن تتحدثي عن حاجتك إلى اتباع نظام غذائي أو عن
اكتسابك بضعة كيلوغرامات أو كنت تنتقدين بدانة الآخرين بصوت عال فإنها على
الأرجح سترغب في تقليدك.
ثمة أطفال يطلقون أسماء شخصيات أبطال المسلسلات الكرتونية على آبائهم أو أحد معارفهم من البالغين.
عندما يقول إبنك: "أنا بدين" اسأليه بهدوء وثقة عما أوحى إليه بهذه الفكرة.

مشكور و بارك الله فيك

مشكور و بارك الله فيك

» اصنعي بنفسك مرطب طبيعي لبشرتك
» اقرئ القرآن و استمع اليه باصوات الائمة الكبار على جهازك مع البرنامج mobile quran